مرَّ عام على الهجوم الكبير الذي شنته خلايا تنظيم الدولة الإسلامية ‘‘داعش’’ على سجن الصناعة في مدينة الحسكة، شمالي سوريا، والذي يضم الآلاف من عناصره، وكان ذلك تطوراً في عملياته وتحول من الحرب الاستنزاف إلى هجمات أكثر دقة وبعدد كبير من العناصر.
وسعى التنظيم بهذا الهجوم لإخراج عناصره القابعين خلف القضبان، في محاولة لتنظيم صفوفه، إذ اعتبر ذلك الهجوم بـ”الأشرس” بعد القضاء على آخر جيوبه على الأرض في قرية الباغوز بريف دير الزور في آذار / مارس 2019.
كيف حدث الهجوم، وما النتائج؟
بتاريخ الخامس والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2021، أعلن المركز الإعلامي لـ ‘‘قسد’’، اعتقال المدعو محمد عبد العواد الملقب بـ“رشيد”، أحد أمراء ‘‘داعش’’ والمسؤول عن مخطط اقتحام سجن الحسكة، وتأمين الأسلحة والذخيرة.
ووصفت ‘‘قسد’’ عملية اعتقال ‘‘رشيد’’، بأكثر العمليات ‘‘الأمنية تعقيداً’’ بالإضافة إلى 14 انتحارياً آخرين، وهو ما يظهر جلياً تخطيط التنظيم قبل أشهر للهجوم.
لكن اعتقال العقل المدبر للهجوم، لم يعق الهجوم المخطط، ليشن التنظيم هجوماً كبيراً على السجن بمشاركة ما بين 200 – 300 عنصر، وفق بيان سابق لـ”قسد”.
وأشار البيان إلى أن المهاجمين تمركزوا في أحياء غويران والنشوة والزهور ومبنى كلية الاقتصاد الملاصقة للسجن، بعد التسلل إليها، وكانوا يحملون الأحزمة الناسفة بالإضافة إلى ثلاث عربات مفخخة، وبهذا الشكل بدأ الهجوم.
وفي التفاصيل، أوضحت نوروز أحمد، عضو القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية، خلال مؤتمر صحفي عقب انتهاء السيطرة على السجن، أنه تم تفجير سيارة مفخخة عند البوابة الرئيسية للسجن، تلاه هجوم من ثلاثة محاور، وتم إدخال سيارة محملة بالأسلحة والذخائر إلى داخل السجن، في مسعى للسيطرة عليه.
تزامن ذلك مع هجوم آخر داخل السجن على العاملين والموظفين، وعليه فرضت ‘‘قسد’’ طوقاً أمنياً حول السجن، أعلنت بعدها بدء حملة ‘‘مطرقة الشعوب’’ لإعادة السيطرة على الوضع، لتبدأ على أثرها اشتباكات بين الطرفين .
بينما فرضت قوى الأمن الداخلي ‘‘الأسايش’’ حظراً كلياً للتجول في مدينة الحسكة مع إغلاق الدخول والخروج للمدينة.
وتسببت الاشتباكات المتواصلة بين “قسد” وعناصر “داعش”، بحركة نزوح جماعي لسكان أحياء غويران والزهور والنشوة وفيلات الحمر إلى الأحياء الوسطى والشمالية من الحسكة.
في حين منع مسلحو “داعش” مغادرة أكثر من 289 عائلة من حي الزهور غرب السجن للوصول إلى مناطق واقعة تحت سيطرة ‘‘قسد’’، قبل أن تعمل الأخيرة على تحريرهم لاحقاً، عقب تنفيذ عمليات أمنية ضد مسلحي التنظيم ضمن الحي.
وأشارت ‘‘قسد’’ حينها، إلى وجود أنفاق محفورة في من قبل خلايا “داعش” ضمن المنازل في حيّي غويران والزهور، كانت لدعم الهجوم.
وفي داخل السجن، أعلنت ‘‘قسد’’ عن قيام التنظيم بتصفيات داخلية بين عناصرها، وقتل بموجبها سبعة عناصر حاولوا التقدم باتجاه قواتهم وتسليم أنفسهم.
وبعد 10 أيام من المعارك، كشفت قوات سوريا الديمقراطية حصيلة المعركة، وأعلنت عن مقتل 374 عنصراً من التنظيم، بينما سلم البقية أنفسهم.
فيما فقد 121 شخصاً لحياتهم خلال المعارك منهم 77 من موظفين وعاملين في السجن و 40 من المقاتلين وأربعة مدنيين.
خلفيات الهجوم؟
مع هذه المعطيات، يبدو أن التنظيم قد خارت قواه على الأرض وحاول استعادة قادته من الصف الأول الذين كانوا رأس الحربة في معاركه السابقة.
وقالت نوروز أحمد، أنه لو تمكن التنظيم من النجاح في الهجوم، لكان مخططهم مواصلة الهجوم على حيّي غويران والزهور ومهاجمة بعض مؤسسات الإدارة الذاتية، ثم الهجوم على الأحياء الأخرى في الحسكة بالتزامن مع هجمات على مناطق الهول، الشدادي ودير الزور.
وأشارت إلى أنه وبحسب الوثائق التي تم ضبطها واعترافات مهاجمين على السجن، والذين تم اعتقالهم، فالهجوم كان ضمن سياق هجوم واسع أعد له منذ فترة طويلة، “هدفه إحياء التنظيم الإرهابي”.
وأوضحت أن التنظيم يستغل الهجمات التركية على مناطق شمال شرقي سوريا ليلتقط أنفاسه ويهيئ الأرضية لإعادة تنظيم صفوفه.
بحسب القيادية في “قسد”، إن قسماً من المهاجمين على سجن الصناعة قدموا من مناطق سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض الخاضعتين لسيطرة القوات التركية، شمالي سوريا، وآخرين من العراق”، مشددة على أن إدارة المخطط كان من خارج الحدود السورية.
وحملت ‘‘أحمد’’، تركيا المسؤولية الكبرى في استمرار بقاء تنظيم “داعش”، جراء تقديم الدعم لهم والاستمرار في هجماتها على المنطقة.
عمليات أمنية ؟
ومع ازدياد خطورة التنظيم على الأرض، ولا سيما عقب هجوم سجن الصناعة، نفذت قوات سوريا الديمقراطية بالتنسيق مع التحالف الدولي، العديد من العمليات استهدفت خلايا التنظيم في مناطق شمال شرقي سوريا.
وأبرز هذه العمليات كانت حملة ‘‘الإنسانية والأمن’’ في مخيم الهول، شرقي الحسكة، الذي يضم الآلاف من عائلات التنظيم، وكانت في الـ 25 من آب / أغسطس 2022.
وخلال الحملة التي استمرت نحو ثلاثة أسابيع، أعلنت قسد، اعتقال 226 شخصاً من بينهم 36 امرأة متشددة شاركن في جرائم القتل والترهيب، والكشف عن 25 خندق ونفق، بالإضافة إلى ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة وأجهزة اتصالات.
في الـ 26 من كانون الأول / ديسمبر الفائت، هاجم عناصر التنظيم مركزاً لقوى الأمن الداخلي في مدينة الرقة، فقد على إثره ثلاثة عناصر من الأسايش وثلاثة مقاتلين من قسد حياتهم، بينما قتل أحد المهاجمين من التنظيم واعتقل آخر كان يحمل حزاماً ناسفاً.
وعقب هذا الهجوم، نفذت قوات سوريا الديمقراطية مع التحالف الدولي، عملية ‘‘صاعقة الجزيرة’’ ضد خلايا التنظيم في أرياف الحسكة القامشلي، في الـ 29 من كانون الأول الفائت.
وخلال العملية التي استمرت نحو أسبوع، ألقي القبض على اعتقال 154 عنصراً من التنظيم، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، إلى جانب إفشالها العديد من الهجمات التي كان انطلاقها من تلك المناطق، بحسب بيان لـ قسد.
تهديد قائم
ومنذ مطلع العام الجاري، نفذ التنظيم 20 هجمة، 15 منها في مناطق الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا و5 في مناطق حكومة دمشق، وفق قسم الرصد والتوثيق في وكالة ‘‘نورث برس’’.
فيما بلغ عدد العمليات التي تبناها التنظيم في العام الفائت بمناطق الإدارة الذاتية، 188 عملية معظمها في ريف دير الزور الشرقي.
وفي تقرير نشرته سكاي نيوز إنكليزية، مؤخراً، يقول الخبراء إن ‘‘داعش’’ سيطر على حوالي ثلث سوريا و40% من العراق – وهي مساحة أكبر من أيسلندا، تضاءلت المجموعة المتطرفة إلا أنها لا تزال تشكل تهديداً.
وجاء في التقرير أن تنظيم ‘‘داعش’’ يسعى في 2023 لإخراج 10 آلاف من عناصره من السجون السورية.
ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط، الدكتور شيراز ماهر: “أغمض عينيك وفجأة ستعود داعش برمشة عين”.
يضيف ماهر لشبكة سكاي نيوز: “قوات سوريا الديمقراطية قالت مراراً إن هذه قنبلة موقوتة وهم يجلسون عليها، هم غير قادرين على التعامل معها بمفردهم”.
ويعبر الخبير عن مخاوفه من عودة التنظيم بقوله: “إذا عاد داعش إلى سوريا والعراق سيموت الناس في شوارع برلين ولندن ومدريد”.
فيما سلط تقرير سكاي نيوز، الضوء على أن هناك مخاوف من هجوم بري محتمل من قبل تركيا في سوريا، “يمكن أن يخلق الظروف المثالية لتنظيم الدولة الإسلامية للاستيلاء على السلطة مرة أخرى”.
فيما يذكر قادة في ‘‘قسد’’ مراراً، أن الظروف الحالية ولا سيما الهجمات التركية المستمرة على المنطقة، تؤثر على نشاط قواتهم في محاربة التنظيم وتجفيف منابعه.
ويشددون على أن أي هجوم خارجي على مناطقهم، سيدفعهم لتعليق عملياتهم والتفرغ للدفاع عن شعبهم، الأمر الذي قد يستفاد منه التنظيم في العودة بزيادة عملياته ونشاطه في المنطقة.
وفي ظل هذا القلق الدولي من زيادة نشاط التنظيم، يبقى السؤال المطروح، ماذا لو نجح ‘‘داعش’’ في الوصول إلى مبتغاه وأخرج عناصره من سجن الصناعة، في أكبر عملية فرار جماعي للتنظيم؟.
– نورث برس