من القامشلي إلى دمشق.. أسعار مرتفعة رغم انخفاض صرف الدولار
ربما يكون انخفاض سعر الدولار الحديث الأكثر جدلاً بين السوريين حالياً. فرغم التراجع الملحوظ في قيمة الدولار في السوق، إلا أن الأسعار في الأسواق المحلية لا تزال مرتفعة، مما يطرح تساؤلات عدة حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التناقض.
هل تعكس الأسعار الفعلية تكاليف الإنتاج المرتفعة؟ أم هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في استمرار ارتفاع الأسعار رغم الانخفاض في سعر الدولار؟
“لا رقابة تموينية”
يقول خضر العزو من سكان ريف القامشلي، لنورث برس، إنه على الرغم من أن سعر صرف الدولار انخفض بشكل كبير إلا أن الأسعار بقيت كما هي.
ويضيف: “أقوم بصرف 100 دولار (900 ألف ليرة) لا تكفي لشراء نصف احتياجات منزلي, ولا أحد يتدخل لوقف هؤلاء التجار ومنعهم من الاحتكار واستغلال السكان”.
ويشير إلى أنه لا توجد مراقبة للتموين على أصحاب المحلات في الأسواق ويتحجج أصحابها بأنهم اشتروا البضاعة بسعر صرف غالي ولا يمكنهم خفضها لأن ذلك سيؤدي إلى خسارتهم، على حد قوله.
ويتابع بالقول: “نشتري أغراضنا على سعر صرف دولار حين كان بـ 15 ألف ليرة سورية”, داعياً التموين إلى محاسبة هؤلاء التجار “لمنع استغلالهم الوضع الراهن”، وفق تعبيره.
“رفع الجمارك من دمشق”
فيما يقول عبد الكريم حاجي، المسؤول في إدارة شعبة تموين القامشلي, لنورث برس، إنهم يقومون بجولات يومية على المحلات التجارية والأسواق، مشيراً إلى أنه في مناطق شمال شرقي سوريا يعتبر السوق حراً (تنافسي), ولا يوجد تحديد للأسعار.
ويضيف: “نتلقى شكاوى من السكان بسبب انخفاض سعر صرف الدولار والأسعار تبقى كما هي مرتفعة, لكن السكان لا يعرفون أن الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق قامت برفع سعر الجمارك على المواد الغذائية والأولية”.
ويشير مسؤول تموين القامشلي بالقول إن “الجمارك ارتفعت على هذه المواد بنسبة 50 بالمائة وهو السبب الرئيسي لعدم خفض أسعار المواد مع نزول صرف الدولار”.
ويذكر أنهم عقدوا بالأمس اجتماعاً موسعاً في هيئة المالية في الرقة حول هذا الموضوع , مضيفاً: “توصلنا إلى صيغة ووضعنا جدول يحتوي على 11 مادة من المواد الأساسية واليومية , وسيتم نشرها يومين في الأسبوع بحسب سعر صرف الدولار , يتم فيها تحديد سعر هذه المواد الأولية”.
ويشير إلى أنهم اتفقوا خلال الاجتماع بتحديد هامش الربح على المواد, بحيث أن المحلات المفرقة تربح 17 % حسب المادة , أما محلات الجملة فنسبة الربح لا تتجاوز 5 % بالإضافة إلى أجور النقل.
ويشدد أنه بالنسبة للتجار والمحلات التي ستخالف التعميم سيتم محاسبتهم بغرامة مالية أو إغلاق محلاتهم بالشمع الاحمر، عبى حد قوله.
“لعبة تجار”
في دمشق تقول بيان علي لـنورث برس، إن الدولار “فضح لعبة التجار الذين كانوا يتحججون بارتفاعه”، وإلى اليوم، بضاعتهم لم تُنفذ التي اشتروها عند ارتفاع سعر الدولار، حسب قولهم.
وتضيف أنه إذا لم يبدأ التاجر السوري بالإصلاح من نفسه ويخفض الأسعار، “لن يزدهر الاقتصاد السوري ولا نستطيع أن نرمي اللوم فقط على الحكومة الجديدة، لأن بناء اقتصاد مزدهر هو مسؤولية مشتركة بين الحكومة والتاجر والمواطن”، على حد قولها.
في حين يقول محمد حمود، موظف بالقطاع الحكومي في دمشق، لنورث برس، إن التجار يتحكمون بالأسواق رغم انخفاض سعر الدولار.
“وضع منطقي اقتصادياً”
بينما يشير الدكتور في كلية الاقتصاد، عابد فضلية، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية سابقاً، لنورث برس، إلى أن مستوى الأسعار في سوريا شهد انخفاضاً طفيفاً، إلا أن هذا الانخفاض لا يتناسب مع الانخفاض الكبير في سعر الدولار.
ويعتبر “فضلية” أن هذا الأمر طبيعي، حيث أن بعض السلع المتوفرة في الأسواق كانت تعتمد تكلفتها على أسعار مرتفعة للدولار، عندما كانت تتراوح بين 14 و15 ألف.
ويضيف: “أن وزارة حماية المستهلك تبذل جهوداً ملموسة، إلا أن نشرات الأسعار الرسمية ليست فعالة، إذ قد تحدد الوزارة سعراً لمنتج ما، لكن السعر الفعلي في السوق قد يختلف”.
ويبين أن التجار غالباً ما يرفضون بيع المنتجات بأقل من تكلفتها، مما يعكس تحديات في السوق.
ويشير إلى أن الجهات الحكومية تسعى لوضع أسعار منطقية، إلا أنها تجتمع كل 15 يوماً، بينما قد تتغير الأسعار العالمية والمحلية والتكاليف نتيجة ظروف سياسية أو عسكرية أو أمنية، مما يؤدي إلى تغير التكلفة بين عشية وضحاها، بينما تظل قائمة الأسعار ثابتة. وبالتالي، لا يمكن الالتزام بهذه الأسعار بشكل يومي، بل قد تكون الحاجة لتحديثها كل ساعة.
ويرى عابد فضلية، أن هذا الوضع منطقي من الناحية الاقتصادية، لكنه يتمنى أن يحدث انخفاض حقيقي في التكاليف، مشيراً إلى أن الحركة الاقتصادية حالياً ضعيفة، وأن المنتجين لا يستطيعون تخفيض الأسعار بسرعة نظراً لقدم تكاليفهم.
كما يبين أن ما هو أهم من تخفيض الأسعار هو ضبطها، قائلاً: “إن ضبط الأسعار يساعد كل من المنتج والمستهلك في بناء استراتيجيات التسعير، مما يخلق حالة من الاستقرار”.
ويشدد على ضرورة العمل على استقرار الأسعار، خاصة فيما يتعلق بالمواد الأولية، بدلاً من التسرع في فرض تخفيضات، لأن ذلك قد يؤدي إلى ظهور تجار مخالفين.
نورث برس