لا تزال أجواء الحزن تخيم على روسيا وأن تركزت في العاصمة موسكو، وذلك بعد الهجوم الدموي الذي وقع في أحد أكبر المراكز التجارية في العاصمة وأدى لمقتل ما يقل عن 130 شخصاً وغيرهم من الجرحى في عمل وصف بالإرهابي، لم تشهده روسيا منذ سنوات كثيرة.
وجاء الهجوم بعد نحو أسبوع من انتهاء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بأغلبية ساحقة، وفي مرحلة دخلت الحرب مع أوكرانيا واحدة من أكثر فصولها تصعيدًأ وسط تهديدات متبادلة بمزيد من التصعيد على ضوء مؤشرات على أن المنظومة الغربية باتت قاب قوسين أو أدنى من دخول أكثرحسمًا على خط الأزمة بين كييف وموسكو.
وأظهرت المشاهد التي التقطها شهود عيان وأخرى تم الحصول عليها من كاميرات المراقبةـ في وقت متأخر من مساء يوم الحادث وصول مسلحين بسيارة رينو يرتدون ملابس مموهة وبأسلحة رشاشة، قبل أن يركضوا نحو المدخل الرئيسي ويفتحوا النار على الحراس، ومن ثم التوجه نحو قاعة الحفل وأطلاق الرصاص على كل من كان أمامهم.
ولم تمر ساعات قليلة حتى أعلن تنظيم “داعش – ولاية خراسان” مسؤوليته عن الهجوم، وفق ما أوردته وكالة رويترز، قبل أن تقوم الأجهزة الأمنية في روسيا باعتقال 11 شخصًا قالت إن أربعة منهم شاركوا بشكل مباشر في العملية.
وبينما لم يصدر عن موسكو بعد بيان رسمي حول ميول المهاجمين، توعد الرئيس فلاديمير بوتين بأن ينال كل من يقف وراء هذا الهجوم العقاب العادل والحتمي، حسب تعبيره.
يأتي ذلك وسط تباين في وجهات النظر بين المراقبين الروس بخصوص الجهات المحتملة التي تقف وراء الهجوم والأهداف التي أرادت تحقيقها من خلاله.
داعش
وبرأي الباحث في الشؤون الدولية، سيرغي بيرسانوف، فإن فرضية تورط “داعش” تبدو الأكثر ترجيحًا نظرًا للطبيعة الوحشية التي رافقت عملية القتل والتي استهدفت كذلك نساء وأطفال.
وبالإستناد إلى إعترافات أحد من تم القاء القبض عليهم والذي قال فيها أنه تم تجنيده مقابل مبلغ مادي من قبل جماعة ذات بعد ديني من خلال تطبيق “تليغرام”.
وكذلك اشارته إلى قدومه من تركيا مؤخرًا وهو ما يعزز فرضية تورط هذا التنظيم في العملية، بحسب بيرسانوف.
ويرجح المتحدث في حديثه لنورث برس أن يكون الهجوم قد جاء ردًا على هزائم التنظيم المتلاحقة في سوريا، والتي “حاول الانتقام لها كذلك من خلال عمليات إرهابية دموية نفذها هناك”.
وبرأي الخبير الروسي، فإن “العملية الارهابية” في موسكو تدل مرة أخرى على خطورة تراجع الاهتمام الدولي بظاهرة “الارهاب المتنقل” والنتائج المأساوية التي يؤدي اليها ذلك.
من جانبه، لا يستبعد الخبير في الدراسات الجيوسياسية أندريه زايتسيف وجود صلة لأوكرانيا في الهجوم، سواء بشكل مباشر أو من خلال تقديم التسهيلات اللوجستية للمنفذين.
كييف
وينطلق زايتسيف من حقيقة أن أوكرانيا تريد نقل المعركة إلى روسيا بأشكال أخرى بعد فشل الهجوم المضاد الذي توعدت به منذ منتصف العام الماضي، فضلًا عن تأكيد أجهزة الأمن الروسية بأن المسلحين حاولوا بعد العملية التوجه إلى الحدود الأوكرانية وإعترافهم بأنهم على صلة بالسلطات في كييف.
بموازاة ذلك لا يستبعد أن تكون مصالح أجهزة المخابرات الأوكرانية التقت مع مصالح “داعش” حيث تعتبر روسيا بالنسبة لهما عدو مشترك وقد نضجت الظروف لتنفيذ عمل مشترك، وفقاَ لكلامه.
في كل الأحوال، يشير المتحدث إلى أن خطورة تنظيم داعش تبقى قائمة بصرف النظر عن الجهات التي يمكن أن تكون قد لجأت إلى فرع ولاية خراسان، والذي يعتبرأكثر فروع التنظيم من حيث الطبيعة الدولية لعملياته، وذلك بغية تصفية حسابات هذه الجهات مع موسكو.
نورث برس