أردوغان – كليجدار أوغلو … أوراق القوة والضعف

7٬015

تحول الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في تركيا إلى معركة فاصلة بين المرشحين الأساسيين، رجب طيب أردوغان، وكمال كليجدار أوغلو، وما يمثله كل طرف من رمزية سياسية، ومرجعية أيديولوجية، وملامح مشروع لسياسة تركيا وخياراتها في المرحلة المقبلة. وعليه، يعدّ كل طرف أوراقه، ويهندس تحالفاته الانتخابية، ويشحذ عناصر قوته وأدواته المختلفة، بما في ذلك تحديد نقاط ضعف خصمه، لخوض هذه المعركة المصيرية، إذ إن الخسارة في هذه الانتخابات ستكون بمثابة النهاية السياسية لأي من الرجلين.     

نظرة إلى أوراق القوة والضعف

بداية، لا بد من القول إن كليجدار أوغلو أنتظر طويلاً لملاقاة أردوغان في هذه المعركة؛ فرغم الطلب منه الترشح سابقاً، إلا أنه تجنب في انتخابات عام 2014 و2018 خوض هذه المنافسة معه، وهو ما يطرح السؤال عن توقيت وأسباب ترشحه هذه المرة، بل والاستماتة من أجل ذلك، إذ لا يخفى على أحد أن قرار كليجدار أوغلو جاء في أسوأ توقيت لأردوغان، لا بسبب استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع شعبيته وحزبه فحسب، بل بسبب حجم المشكلات الاقتصادية والسياسية والمعيشية التي خلفتها سياسته خلال العقدين الماضيين على وقع تحديات الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد فجر السادس من شباط/فبراير الماضي، فضلاً عن تراكم الخلافات بين بلاده والعديد من الدول المحورية في سياسة تركيا، لاسيما الولايات المتحدة، ولعل هذه المعطيات هي التي تقف وراء تراجع الأسلوب الساخر الذي أنتهجه أردوغان ضد كليجدار أوغلو، حيث لجأ في كثير من اللحظات إلى السخرية منه، والاستهزاء بمواقفه وتصريحاته، بل وصل الأمر به إلى الإشارة إلى طائفته العلوية كنقيصة سياسية، مع أن هذا الخطاب الشعبوي له محاذير سياسية كثيرة، أقلها أنها لا تنتاسب مع مفهوم المواطنة في أي دولة.                        

يسجل لأردوغان أنه يتمتّع بتحالف متين مع زعيم حزب الحركة القومية المتطرفة دولت باهجلي، وهو في العمق تحالف إخواني- طوراني، نجح في ضم أطراف ايديولوجية قريبة منه إليه، على رأسهم حزب “الدعوة الحرة” الذي يتخذ من دياربكر – آمد  مقراً له، وهو في الحقيقة نسخة محدثة من حزب الله التركي الذي حل بعد تصفية زعيمه حسين ولي أوغلو، وتورط الحزب في عمليات إغتيال طالت عشرات المثقفين والناشطين الكرد واليساريين.

من نقاط قوة أردوغان أيضاً، تمتعه بكاريزما قوية داخل حاضته الشعبية، فضلاً عن خبرته الطويلة في خوض الانتخابات، وتنظيم الحملات الانتخابية، وسيطرته على وسائل الإعلام، وبالتالي قدرته على فرض خطاب إعلامي على مستوى المشهد التركي، ولعله يراهن على كل ما سبق، لتجاوز التحديات التي يعاني منها، والتغطية على نقاط ضعفه، رغم صعوبة ذلك بسبب التحديات الهائلة التي خلفها الزلزال، وارتباط حجم الدمار الكبير بملفات فساد تشير كل الأصابع إلى تورط مسؤولين مقربين منه فيها.

في المقابل، سطع نجم كليجدار أوغلو بعد اختياره مرشحاً من قبل أحزاب طاولة الستة، وهو بذلك نجح في توحيد صفوف حزبه أولاً، وثانياً إقامة أوسع تحالف حزبي يضم قوى سياسية وحزبية من مشارب مختلفة، وثالثاً من خلال اجتماعه مع قيادة حزب الشعوب الديمقراطي، ونجاحه تالياً في تأمين أصوات وازنة من خارج التحالف السداسي بغض النظر عن طبيعة التفاهم مع حزب الشعوب الذي بفضله حقق حزب الشعب الجمهوري أول انتصار حقيقي على أردوغان في الانتخابات المحلية عام 2019، ورابعاً أن كليجدار أوغلو الذي يتميز بنظافة الكف، نجح في تقديم صورة جديدة لأيديولوجية حزبه الذي يمثل إرث أتاتورك، فهو إتبع سياسة التصالح مع المجتمع والاعتدال والانفتاح متجاوزاً كل الأيديولوجية الكمالية التي تكلّست، ولم تعد قادرة على تأطير المجتمع بتعدده القومي، وتنوعه الفكري والسياسي الثقافي.

عناصر القوة لدى كليجدار أوغلو لا تعني أنه لا يمتلك عناصر ضعف، فالرجل لا يتمتع بكاريزما أردوغان، وتحالفه قد يشهد انقسامات في أي لحظة في ظل وجود ميرال أكشينر زعيمة حزب الجيد فيه.

 أبعد من المشهد الداخلي التركي، تبدو الانتخابات التركية على علاقة بالاصطفاطات والتحولات الجارية في العالم، إذ بات من الواضح أن  أردوغان هو مرشح روسيا وإيران ودولي الخليج العربي..، فيما كيلجدار أوغلو هو مرشح الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وبالتأكيد مثل هذه الاصطفافات ليست من دون معنى، بقدر ما تعني سياسات تتصارع على التحولات الجيوسياسية الجارية، لاسيما بعد دخول الصين بقوة في العديد  من الساحات الإقليمية.

الكرد ومعركة الصوت القومي

في زحمة معركة التحالفات الانتخابية الجارية، برز الصوت الكردي كمحدد لهوية الرئيس التركي الجديد (ينظر إلى مقالي المنشور في الموقع يوم الثالث عشر من الشهر الجاري تحت عنوان: هل سيحدد الكرد هوية الرئيس التركي المقبل؟)، ومع التأكيد على الخلاصة التي تقول إن الصوت الكردي سيصبح حاسماً إذا لم يفُز أي مرشح من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية، فإن اللافت هو أن التصويت الكردي بات يبحث عن تشكيل وعي قومي بالهوية الكردية، خارج مفهوم الأمة الإسلامية في تركيا التي يحاول أردوغان تسويقها، أو الايديولوجية (العلمانية) التي تمثل إرث أتاتورك، والتي رغم تراجعها، وتكلّس بنائها، إلا أن البعض يحاول جعلها إطاراً للتعامل مع القضية الكردية.                            

في الواقع، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، صوّت الكرد على أساس اجتماعي محافظ في الانتخابات التركية، وعليه فقد صوتوا تاريخياً لعندنان مندريس، ونجم الدين أربكان، وتورغوت أوزال، وسليمان ديميريل وصولاً إلى أردوغان، ومثل هذا التصويت كان يقوم على قناعة بأن التيار الإسلامي يحمل معه الأمل في إيجاد حل سياسي للقضية الكردية لطالما أنه يقف ضد الأتاتوركية التي أنكرت الهوية القومية الكردية، ومارست سياسة الإقصاء والتهميش والإبادة ضدها، اليوم مع أردوغان تغيرت هذه الصورة، بعد أن ذهب الأخير إلى ممارسة أقصى العنف ضد حملة الهوية القومية الكردية في الداخل والخارج، وسط قناعة بأن من يمثل إرث أتاتورك باتوا أكثر جاهزية للتعامل مع هذه الهوية وفتح صفحة جديدة معها، رغم حساسية موقفهم لأسباب كثيرة، ولعل ما يجري من محادثات وتفاهمات بين حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الشعب الجمهوري، قد يؤسس لمرحلة جديدة في كيفية إيجاد حل لهذه القضية، خاصة إذا فاز كليجدار أوغلو بالرئاسة، بما يشكله من نهاية لحقبة عهد حزب العدالة والتنمية .

نورث برس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.