جهود لاستعادة الهوية الثقافية والدينية بدير الزور بعد إخراج الفصائل الإيرانية

357

بعد سقوط نظام الأسد وإخراج الفصائل الإيرانية من دير الزور شرقي سوريا، تواجه المنطقة واقعاً جديداً مليئاً بالتحديات، إذ لم يكن التغيير محصوراً بالسيطرة العسكرية لأن الوجود الإيراني خلّف تأثيراً عميقاً على النسيج الاجتماعي والثقافي والديني للمجتمع المحلي.

وبينما يسعى السكان إلى استعادة حياتهم الطبيعية، تبرز قضية الموروث الفكري الذي زرعته هذه الجماعات كأحد أكبر التحديات التي تواجه الشباب والأطفال الذين تعرضوا لغسل أدمغتهم.

وأعدت نورث برس تقريراً سابقاً قبل سقوط نظام الأسد، تطرق إلى استراتيجية التمدد الإيراني في دير الزور، باستهداف شبان المنطقة وتغيير عقيدتهم من خلال مدارس تعليمية ومراكز ثقافية وانتسابهم إلى الفصائل الإيرانية.

نمط جديد
مع سيطرة الميليشيات الإيرانية، شهدت المنطقة تغييرات جذرية في الهوية الثقافية والدينية. حيث تم فرض نمط حياة جديد يتعارض مع تقاليد السكان المحليين. ومع طرد تلك الميليشيات، بدأت جهود العودة للجذور والتقاليد السنية تتجلى مرة أخرى، وفق سكان محليين.

يقول أحمد العلي، من سكان دير الزور، لنورث برس ، “لقد عشنا تحت ضغط كبير خلال فترة السيطرة الإيرانية، كانت الحياة اليومية مليئة بالخوف والقلق. الآن، نحن نحاول استعادة تقاليدنا وعاداتنا التي فقدناها، ونريد أن نعلم أطفالنا عن تاريخهم وهويتهم الحقيقية.”

ويضيف، “تم طمس الهوية السنية على يد الإيرانيين عبر استغلال فقر الشعب بمبالغ مالية ووظائف، انتشرت ثقافة التشيّع خلال فترة سيطرتهم وتم غسل أدمغة الأطفال من خلال الدورات والندوات التي نظمتها مراكزهم الثقافية، لكن بعد طرد هذه الفصائل، نحاول الآن إعادة بناء أفكار الأطفال وتحريرهم من تلك الأفكار المتطرفة.”

فيما يصف علي البرغوث، تاجر محلي، تجربته قائلاً لنورث برس: “لقد عشنا فترة مظلمة تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية. كانت الحياة صعبة للغاية، حيث تم منعنا من ممارسة شعائرنا الدينية بحرية”.

ويضيف: “الآن، مع رحيلهم، نشعر بأننا نستعيد هويتنا، نعيد تنظيم الفعاليات الثقافية والدينية، ونعمل على تعليم أطفالنا تقاليدنا السنية”.

ومنذ انخراطها في الحرب السورية لحماية نظام الأسد من السقوط دخلت الاستراتيجية التي اتبعتها إيران في البلاد بعدة محطات كان أبرزها و”أخطرها”، حسب خبراء ومراقبين، تلك المتعلقة بعمليات “التغيير الديني والثقافي” التي أحدثتها وشاركت بها مع ميليشياتها ووكلائها في عدة مدن وقرى وبلدات في دير الزور.

وبحسب مركز أبحاث “مينا”، كانت تستند الأهداف السياسية الإيرانية في وادي الفرات إلى العمل على تشيّع سكان هذه المنطقة وفق رؤية تقوم على تقطيع أوصال المنطقة الممتدة من محافظة الأنبار العراقية إلى محافظتي دير الزور والرقة السوريتين، إذ تُعتبر هذه المنطقة منطقةً سُنيّةً بحسب الانتماء المذهبي.

وأرادت إيران بحسب “مينا”، من ذلك أن تجعل من مناطق محافظتي دير الزور والرقة سدّاً منيعاً يمنع اتصال السُنّة المنتشرين من شمال بغداد وفي محافظة الأنبار بسُنّة سوريا في المدن الكبرى، هذا المسعى الإيراني كانت طهران تعمل عليه بصمت مستغلةً الأوضاع المعيشية السيئة لسكان المنطقة، إذ إنّ إيران دخلت في سباق لإكمال مخططها الرامي إلى خلق قاعدة شعبية محلية موالية لها على غرار لبنان واليمن، وذلك قبل إرغامها دولياً على مغادرة سورية.

تحديات وجهود

يقول علي المرسومي، ناشط اجتماعي يعمل في إعادة تأهيل الأطفال نفسيًا، لنورث برس، إن “الأطفال هم الأكثر تأثرًا بما حدث. لقد تعرضوا لبرمجة فكرية سلبية وغسل أدمغة عبر مراكز الثقافة الإيرانية.”

ويضيف: “نعمل على تنظيم ورش عمل لتعليم مهارات جديدة وتعريفهم بقيم التسامح والاعتدال وإعادة بناء هويتهم. لدينا حوالي 250 طفلًا في المركز، ونعمل على تعزيز القيم الأصلية للمجتمع المحلي”.

ويشير “المرسومي” إلى أن “التحدي الأكبر هو التغلب على الأفكار المتطرفة التي زرعت في عقول الأطفال. كما أن غياب نظام التعليم الفعال هو أحد أبرز التحديات التي تواجهنا، حيث يحتاج إلى إصلاح شامل ليكون قادرًا على مواجهة التحديات الفكرية.”

ويقول إنه هناك حاجة ملحة إلى برامج تعليمية وثقافية تستهدف الشباب، حيث تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 60% من الشباب في المنطقة يعانون من فقدان الهوية، بحسب “المرسومي”.

ويرى أن عودة الهوية في دير الزور ليست مجرد استعادة للتقاليد، بل هي عملية شاملة تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية، ومع العمل المستمر والتعاون بين المدنيين والناشطين والمجتمع الدولي، يمكن لدير الزور أن تستعيد مكانتها كمنطقة غنية بالثقافة والتاريخ وتؤسس لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.

نورث برس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.