كانت الأهداف المعلنة للسيطرة على عفرين من جانب الجيش التركي وفصائل موالية له قبل سبع سنوات هي لأسباب أمنية وحماية الحدود التركية، لكن بعد دخول الجيش التركي والفصائل بدأت عمليات التهجير الممنهجة، ناهيك عن التغيير في أسماء القرى والمعالم الأساسية وإطلاق أسماء تركية بديلة عن الأصلية.
ومنذ عام 2018، تخضع منطقة عفرين بريف حلب الشمالي شمالي سوريا، لسيطرة الجيش التركي وفصائل سورية موالية له.
تفريغ مناطق سورية والتوطين في عفرين
بدأت عمليات التهجير منذ بدء قصف الطيران التركي على مدن و قرى عفرين والذي أدى لتهجير أغلب سكان عفرين نحو منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي ومدينة حلب ومناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا.
وبدأت المخططات التركية تجاه منطقة عفرين تتوضح أكثر فأكثر من خلال صفقات إخراج وتفريغ سكان مناطق سورية في غوطة دمشق الشرقية وأرياف حمص وحماه وجلبهم نحو الشمال السوري الذي كانت تسيطر عليه المعارضة السورية الموالية لتركيا خاصة منطقة عفرين حيث تم جلب الآلاف من السوريين من مناطق أخرى نحو منطقة عفرين من أجل توطينهم بعد تهجير سكان عفرين الأصليين (الكرد).
لم يتوقف الأمر إلى هذا الحد، فقد بدأت الفصائل العسكرية المسلحة في عفرين تمارس أشد أنواع الانتهاكات من اعتقال وتعذيب و الاستيلاء على أملاك المدنيين الذين تم تهجيرهم وحتى المقيمين.
وخلال تلك الفترة نشطت بشكل واسع عمليات التغيير الديمغرافي على الأرض من خلال التوسع العمراني الذي قامت به جماعات تتبع لقيادات الفصائل المسلحة وغيرهم من الأشخاص الذين تم جلبهم من مناطق سورية مختلفة نحو منطقة عفرين.
وبُنيت عشرات المستوطنات التي أنشأتها المنظمات التركية والكويتية والفلسطينية والقطرية وغيرهم في منطقة عفرين، تتوزع في نواحي شران والشيخ حديد وجنديرس وبلبل وراجو قرب مدينة عفرين، وذلك حسب ما رصدته “نورث برس”.
ووفق مصادر محلية وصور وفيديوهات من داخل عفرين لنورث برس، تم إنشاء مئات الأبراج الطابقية ومحطات الوقود والورش الصناعية والمطاعم والمقاهي وأصبحت ترتسم ملامح مدينة عفرين من خلال التوسع العمراني الذي يخفي بجوانبه تغييراً ديموغرافياً.
هذا التوسع يبنى بأيادي غريبة عن عفرين وبتسهيل واضح من الجانب التركي المسيطر فعلياً على منطقة عفرين من خلال السماح ببيع الأراضي والبيوت والعقارات لأشخاص من مناطق سورية أخرى متواجدين بعفرين حيث يتم تغطية عمليات البيع بقرار محاكم تابعة لتركيا والفصائل.
إرغام سكان عفرين لبيع منازلهم
تجري عمليات البناء والترخيص من قبل المجلس المحلي بشكل سلس كونه لا يملك سلطة منع البناء وحتى على الأملاك الخاصة التي تم الاستيلاء عليها من قبل الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، حيث أخذت عمليات الاستيلاء وشراء المحاضر العقارية والبيوت عدة أشكال، بحسب شهادات من سكان عفرين ومتعهدي البناء.
يقول حمزة خليل (65 عاماً) وهو من سكان حي الأشرفية في مدينة عفرين: “في حزيران/ يونيو من عام ٢٠٢٢، جاء المسؤول عن الحي الذي أسكنه المدعو محمد أوسو وهو قيادي بفصيل الجبهة الشامية وأخبرني أنه يريد شراء بيتي الثاني من أجل تحويله لبناية وشقق أو مشاركته”.
ويضيف: “أي أن يأخذ بيتي وبعد الانتهاء من البناء يعطيني حصة منه، ورفضت هذا المطلب على الفور و خرج من بيتي غاضباً خلال ذلك عرفت أنه سوف ينتقم مني بطريقة أو بأخرى”.
ويشير “خليل” إلى أنه لم يمضِ أسبوعين على ذلك حتى جاءت مجموعة عناصر مسلحة وقاموا باعتقاله و نقله للمقر العسكري التابع لفصيل الجبهة الشامية، مضيفاً: “خلال التحقيق معي كان واضحاً أنهم يحاولون ترهيبي وتخويفي من أجل بيع البيت”.
ويقول: “بعد يومين من الضرب والإهانة تم إخلاء سبيلي وبعدها بيومين جاءني شخص قد أرسله المدعو محمد أوسو القيادي بفصيل الجبهة الشامية وقال لي: “هل وصلتك الرسالة.. البيت سوف نأخذه سواء برضاك أو غصباً عنك”.
ويبين “خليل” أنه بعد هذا التهديد قرر أن يبيع منزله الذي كان يسكنه حفاظاً على حياته وأولاده، مشيراً إلى أنه بعد أقل من أسبوع باع بيته مرغماً فقط بثمانية آلاف دولار وهو ما يعادل نصف قيمته، على حد قوله.
ويقول علي سليمان (52 عاماً)، وهو يعمل كمتعهد للبناء وهو من العرب المستوطنين في عفرين، إن أغلب عمليات البناء بين ٢٠٢٠ ونهاية ٢٠٢٤ كانت لأشخاص قياديين بالفصائل المسيطرة على عفرين من خلال استخدام أشخاص يعملون بالتجارة وأيضاً أشخاص من الغوطة الشرقية بدمشق.
ويضيف أن “هؤلاء قاموا ببيع أملاكهم هناك وقاموا بشراء منازل بعفرين ورفعوا بنايات وحتى أغلب المدارس الخاصة هم أصحابها أو شركاء بها مع سكان عرب بعفرين ممن يقومون بالشراكة مع هؤلاء من خلال تقديم البيت والشخص الآخر يدفع تكاليف البناء”.
ويشير إلى أن أغلب المحاضر العقارية التي يتم بيعها هي عائدة للمكون العربي في عفرين والذي قام النظام السابق بمنحها لهم منذ عشرات السنين وهم يبيعونها الآن، على حد قوله.
استيلاء على الممتلكات واستئجارها
فيما يقول شخص من عائلة الغباري (61 عاماً)، فضل عدم ذكر اسمه الكامل، إنه خرج من عفرين قبيل اجتياحها من قبل تركيا وعاد بعد سقوط النظام السابق نهاية العام الفائت، فوجد أن أرضه تم الاستيلاء عليها من قبل فصيل جيش الشرقية.
ويضيف أن الفصيل قام بتأجير الأرض بعد تقسيمها وتم بناء عشرات البيوت ومحطات الوقود ومغاسل السيارات على أرضه الواقعة على طريق الجسر الثاني في مدينة عفرين.
ويشير إلى أن عقود استئجار أرضه من قبل فصيل جيش الشرقية تمتد لسنوات، وعندما راجع مقر الفصيل أخبروه بحل المشكلة بعد انتهاء مدة عقود الآجار، فيما المشكلة ليست مع هذا الفصيل فقط وإنما يشمل عشرات الأشخاص الذين قاموا بالبناء بأرضه، كما أخبرته المحكمة بأن يعود في وقت لاحق “لأن الوضع الأن غير مناسب”، على حد تعبيره.
هذه بعض الشهادات التي توضح جانب من الصورة التي جرت وأصبحت أمر واقع جديد في منطقة عفرين، فقد أصبحت مئات العوائل التي تم جلبها من مناطق سورية مختلفة بوقت سابق تمتلك بيوت وعقارات ومحلات تجارية وورش صناعية.
هذه الأملاك تمت بدعم تركي وفصائل موالية لها ما يساهم بالوقت القريب بتغيير كبير بتركيبة عفرين السكانية وخاصة أن أكثر من نصف سكان منطقة عفرين أصبحوا خارج سوريا وربما لن يعودوا بسبب الوضع المضطرب بسوريا بشكل عام وعفرين بشكل خاص.
ويسيطر فصيل جيش الشرقية ضمن الجيش الوطني على بلدة جنديرس ويعتبر الفصيل الأكثر انتشاراً في المنطقة، وقام عناصره في آذار/ مارس الماضي بقتل أربعة أشخاص من عائلة بيشمرك لاحتفالهم بشعلة عيد نوروز.
نورث يرس